فصل: غزوة بني النضير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير **


 غزوة بني النضير

وهي عند ابن إسحاق في شهر ربيع الأول على رأس خمسة أشهر من وقعة أحد وقال البخاري قال الزهري عن عروة كانت على رأس ستة أشهر من وقعة بدر وقبل أحد‏.‏

قال موسى بن عقبة وكانوا قد دسوا إلى قريش في قتال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فحضوهم على القتال ودلوهم على العورة‏.‏

قال ابن إسحاق وغيره ثم خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى بني النضير ليستعينهم في دية ذينك القتيلين اللذين قتل عمرو بن أمية الضمري للجوار الذي كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عقد لهما وكان بين بني النضير وبني عامر عقد وحلف فلما أتاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يستعينهم في ديتهما قالوا نعم يا أبا القاسم نعينك عل ما أحببت مما استعنت بنا عليه ثم خلا بعضهم ببعض وقالوا إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى جنب جدار من بيوتهم قاعد فمن رجل يعلو على هذا البيت فيلقي عليه صخرة فيريحنا منه فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب أحدهم فقال أنا لذلك فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في نفر من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم‏.‏وقال ابن سعد فقال سلام بن مشكم يعني لليهود لا تفعلوا والله ليخبرن بما هممتم به وإنه لنقض العهد الذي بيننا وبينه‏.‏

رجع إلى خبر ابن إسحاق قال فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الخبر من السماء بما أراد القوم فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم راجعاً إلى المدينة فلما استلبث النبي صلّى الله عليه وسلّم أصحابه قاموا في طلبه فلقوا رجلاً من المدينة مقبلاً فسألوه فقال رايته داخلاً إلى المدينة فأقبل أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم حتى انتهوا إليه فأخبرهم الخبر بما كانت أرادت يهود من الغدر به‏.‏

قال ابن عقبة ونزل في ذلك ‏"‏ يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم إن يبسطوا إليكم ‏"‏ الآية‏.‏

رجع إلى خبر ابن إسحاق فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالتهيؤ لحربهم والسير إليه واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم فيما قال ابن هشام وقال ثم سار بالناس حتى نزل بهم فحاصرهم ست ليال ونزل تحريم الخمر‏.‏

قال ابن إسحاق فتحصنوا منه في الحصون فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقطع النخل والتحريق فيها فنادوه أن يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من صنعه فما بال قطع النخيل وتحريقها وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج منهم عبد الله بن أبي بن سلول ووديعة بن مالك بن أبي قوقل وسويد وداعس بعثوا إلى بني النضير أن اثبتوا وتمنعوا فإنا لن نعلمكم إن قوتلتم قاتلنا معكم وإن أخرجتم خرجنا معكم فتربصوا ذلك من نصرهم فلم يفعلوا وقذف الله في قلوبهم الرعب فسألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يجليهم ويكف عن دمائهم على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة ففعل فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل فكان الرجل يهدم بيته عن نجاف بابه فيضعه على بعيره فينطلق به فخرجوا إلى خيبر ومنهم من سار إلى الشام وخلوا الأموال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكانت له خاصة يضعها حيث يشاء ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان يامين بن عمرو بن كعب ابن عم عمرو بن جحاش وأبو سعيد بن وهب أسلما فأحرزا أموالهما بذلك ويقال أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ليامين ‏"‏ ألم تر إلى ما لقيت من ابن عمك وما هم به من شأني ‏"‏ فجعل يامين جعلاً لمن يقتله فقتل ونزل في أمر بني النضير سورة الحشر قال ابن عقبة ولحق بنو أبي الحقيق بخيبر ومعهم آنية كثيرة من فضة قد رآها النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه حين خرجوا بها وعمد حيي بن أخطب حتى قدم مكة على قريش فاستغواهم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واستنصرهم وبين الله عز وجل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم حديث أهل النفاق وما بينهم وبين اليهود‏.‏

وفيما ذكر ابن سعد من الخبر عن بني النضير انهم حين هموا بغدر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأعلمه الله بذلك ونهض سريعاً إلى المدينة بعث إليهم محمد بن مسلمة ‏"‏ أن اخرجوا من بلدي فلا تساكنوني بها وقد هممتم بما هممتم به من الغدر وقد أجلتكم عشراً فمن رؤي بعد ذلك ضربت عنقه ‏"‏ فمكثوا على ذلك أياماً يتجهزون وأرسلوا إلى ظهر لهم بذي الجدر وتكاروا من ناس من أسجع إبلاً فأرسل إليهم ابن أبي لا تخرجوا من دياركم وأقيموا في حصونكم فإن معي ألفين من قومي ومن العرب يدخلون حصنكم فيموتون من آخرهم وتمدكم قريظة وحلفاؤكم من غطفان فطمع حيي فيما قال ابن أبي فأرسل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنا لا نخرج من ديارنا فاصنع ما بدا لك فأظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم التكبير وكبر المسلمون لتكبيره وقال حاربت يهود فسار إليهم النبي صلّى الله عليه وسلّم في أصحابه فصلى العصر بفناء بني النضير وعلي يحمل رايته واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم فلما رأوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قاموا على حصونهم معهم النبيل والحجارة واعتزلتهم قريظة فلم تعنهم وخذلهم ابن أبي وحلفاؤهم من غطفان فيئسوا من نصرهم فحاصرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقطع نخلهم وقالوا نحن نخرج عن بلادك فقال ‏"‏ لا أقبله اليوم ولكن أخرجوا منها ولكم دماؤكم وما حملت الإبل إلا الحلقة ‏"‏ فنزلت يهود على ذلك وكان حاصرهم خمسة عشر يوماً فكانوا يخربون بيوتهم بأيديهم ثم أجلاهم عن المدينة وولي إخراجهم محمد بن مسلمة وحملوا النساء والصبيان وتحملوا على ستمائة بعير فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هؤلاء في قومهم بمنزلة بني المغيرة في قريش فلحقوا بخيبر وحزن المنافقون عليهم حزناً شديداً وقبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الأموال والحلقة فوجد من الحلقة خمسين درعاً وخمسين بيضة وثلاثمائة وأربعين سيفاً وكانت أموال بني النضير صفياً لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم حبساً لنوائبه ولم يخمسها ولم يسهم منها لأحد وقد أعطى ناساً من أصحابه ووسع في الناس منها وذكر أبو عبد الله الحاكم في كتاب الإكليل له بإسناده إلى الواقدي عن معمر بن راشد عن الزهري عن خارجة بن زيد عن أم العلاء قالت طار لنا عثمان بن مظعون في القرعة فكان في منزلي حتى توفي قالت فكان المسلمون والمهاجرون في دورهم وأموالهم فلما غنم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بني النضير دعا ثابت بن قيس بن شماس فقال ‏"‏ ادع لي قومك ‏"‏ فقال ثابت الخزرج يا رسول الله قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ‏"‏ الأنصار كلها ‏"‏ فدعا له الأوس والخزرج فتكلم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم ذكر الأنصار وما صنعوا بالمهاجرين وإنزالهم إياهم في منازلهم وأموالهم وأثرتهم على أنفسهم ثم قال ‏"‏ إن أحببتم قسمت بينكم وبين المهاجرين ما أفاء الله على من بني النضير وكان المهاجرون على ما هم عليه من السكنى في منازلكم وأموالكم وإن أحببتم أعطيتهم وخرجوا من دوركم فتكلم سعد بن عبادة وسعد بن معاذ فقالا يا رسول الله بل تقسم بين المهاجرين ويكونون في دورنا كما كانوا ونادت الأنصار رضينا وسلمنا يا رسول الله فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ‏"‏ اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار فقسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما أفاء الله عليه وأعطى المهاجرين ولم يعط أحداً من الأنصار شيئاً إلا رجلين كانا محتاجين سهل بن حنيف وأبا دجانة وأعطى سعد بن معاذ سيف ابن أبي الحقيق وكان سيفاً له ذكر عندهم‏.‏

وذكر أبو بكر أحمد بن يحيى ابن جابر البلاذري في كتاب فتوح البلدان له أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال للأنصار ‏"‏ ليست لإخوانكم من المهاجرين أموال فإن شئتم قسمت هذه وأموالكم بينكم وبينهم جميعاً وإن شئتم أمسكتم أموالكم وقسم هذه فيهم خاصة ‏"‏ فقالوا بل اقسم هذه فيهم واقسم لهم من أموالنا ما شئت فنزلت ‏"‏ ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ‏"‏ قال أبو بكر رضي الله عنه جزاكم الله يا معشر الأنصار خيراً فوالله ما مثلنا ومثلكم إلا كما قال الغنوي‏:‏ جزى الله عنا جعفراً حين أزلفت بنا نعلنا في الواطئين فزلت أبوا أن يملونا ولو أن أمنا تلاقي الذي يلقون منا لملت قال وكانت أموال بني النضير خالصة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان يزرع تحت النخل في أرضهم فيدخر من ذلك قوت أهله وأزواجه سنة وما فضل جعله في الكراع والسلاح‏.‏وروينا عن طريق البخاري قال حدثني إسحاق قال أنا حبان فثنا جويرية بن أسماء عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم حرق نخل بني النضير قال ولها يقول حسان بن ثابت‏:‏ وهان على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير فأجابه أبو سفيان بن الحرث‏:‏ أدام الله ذلك من صنيع وحرق في نواحيها السعير ستعلم أينا منها بتره وتعلم أي أرضينا تضير هذه رواية البخاري وقال أبو عمرو الشيباني وغيره أن أبا سفيان بن الحارث قال‏:‏ لعز على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير ويروي البويلة‏.‏

وذكر ابن سعد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعطى الزبير بن العوام وأبا سلمة البويلة من أرضهم فأجابه حسان أدام الله ذالكم حريقاً وضرم في طوائفها السعير هم أوتوا الكتاب فضيعوه فهم عمي عن التوراة بور هذه أشبه بالصواب من الرواية الأولى‏.‏قال ابن إسحاق ثم أقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد غزوة بني النضير شهر ربيع وقال الوقشي الصواب شهري ربيع وبعض جمادى‏.‏

ثم غزا نجداً يريد بني محارب وبني ثعلبة من غطفان واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري ويقال عثمان بن عفان فيما قال ابن هشام وقال حتى نزل نخلاً وهي غزوة ذات الرقاع وسميت بذلك لأنهم رقعوا فيها راياتهم ويقال ذات الرقاع شجرة بذلك الموضع وقيل لأن أقدامهم نقبت فكانوا يلفون عليها الخرق وقيل بل الجبل الذي نزلوا عليه كانت أرضه ذات ألوان تشبه الرقاع‏.‏

قال ابن إسحاق فلقي بها جمعاً من غطفان فتقارب الناس ولم يكن بينهم حرب وقد خاف الناس بعضهم بعضاً حتى صلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالناس صلاة الخوف ثم انصرف بالناس‏.‏

قال ابن سعد وكن ذلك أول ما صلاها وبين الرواة خلف في صلاة الخوف ليس هذا موضعه‏.‏

رجع إلى الأول قال ابن إسحاق حدثني عمرو بن عبيد عن الحسن عن جابر ابن عبد الله أن رجلاً من بني محارب يقال له غورث قال لقومه من غطفان ومحارب ألا أقتل لكم محمداً قالوا بلى وكيف نقتله قال أفتك به قال فأقبل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو جالس وسيفه في حجره فقال يا محمد أنظر إلى سيفك هذا قال ‏"‏ نعم ‏"‏ فأخذه فاستله ثم جعل يهزه ويهم فيكبته الله ثم قال يا محمد أما تخافني قال ‏"‏ لا وما أخاف منك ‏"‏ قال وفي يدي السيف قال ‏"‏ لا بل يمنعني الله منك ‏"‏ قال ثم عمد إلى سيف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرده عليه فأنزل الله تبارك وتعالى ‏"‏ يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم ‏"‏ الآية‏.‏

وقد رواه من حديث جابر أيضاً أبو عوانة وفيه فسقط السيف من يده فأخذه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال ‏"‏ من يمنعك ‏"‏ قال كن خير آخذ قال ‏"‏ تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ‏"‏ قال الأعرابي أعاهدك أني لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك قال فخلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سبيله فجاء إلى قومه فقال جئتكم من عند خير الناس‏.‏

قلت وقد تقدم في غزوة ذي أمر خبر لرجل يقال له دعثور بن الحارث من بني محارب يشبه هذا الخبر قام على رأس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالسيف في صدره فوقع السيف من يده فأخذه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال ‏"‏ من يمنعك مني ‏"‏ قال لا أحد أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ثم أتى قومه فجعل يدعوهم إلى الإسلام ونزلت ‏"‏ يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم ‏"‏ الآية والظاهر أن الخبرين واحد وقد قيل إن هذه الآية نزلت في أمر بني النضير كما سبق فالله أعلم وفي انصرافه عليه السلام من هذه الغزوة أبطأ حمل جابر بن عبد الله به فنخسه النبي صلّى الله عليه وسلّم فانطلق متقدماً بين يدي الركاب ثم قال ‏"‏ أتبيعنيه ‏"‏ فابتاعه منه وقال له ‏"‏ لك ظهره إلى المدينة ‏"‏ فلما وصل إلى المدينة أعطاه الثمن ووهب له الجمل‏.‏

وقال ابن سعد قالوا قدم قادم المدينة بجلب له فأخبر أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن أنمار وثعلبة قد جمعوا لهم الجموع فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخرج ليلة السبت لعشر خلون من المحرم في أربعمائة من أصحابه ويقال سبعمائة فمضى حتى أتى محالهم بذات الرقاع فلم يجد في محالهم إلا نسوة وبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جعال بن سراقة بشيراً بسلامته وسلامة المسلمين قال وغاب خمس عشرة ليلة‏.‏

وروينا في صحيح البخاري من حديث أبي موسى أنهم نقبت أقدامهم فلفوا عليها الخرق فسميت غزوة ذات الرقاع وجعل حديث أبي موسى هذا حجة في أن غزوة ذات الرقاع متأخرة عن خيبر وذلك أن أبا موسى إنما قدم مع أصحاب السفينتين بعد هذا بثلث سنين والمشهور في تاريخ غزوة ذات الرقاع ما قدمناه وليس في خبر أبي موسى ما يدل على شيء من ذلك‏.‏

وغورث مقيد بالغين معجمة ومهملة وهو عند بعضهم مصغر بالعين المهملة‏.‏

 غزوة بدر الأخيرة

قال ابن إسحاق ولما قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة من غزوة ذات الرقاع أقام بها بقية جمادى الأولى إلى آخر رجب ثم خرج في شعبان إلى بدر لميعاد أبي سفيان حتى نزله‏.‏

قال ابن هشام واستعمل على المدينة عبد الله بن عبد الله ابن أبي سلول الأنصاري قال ابن إسحاق فأقام عليه ثمان ليال ينتظر أبا سفيان وخرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل مجنة من ناحية الظهران وبعض الناس يقول قد بلغ عسفان ثم بدا له في الرجوع فقال يا معشر قريش إنه لا يصلحكم إلا عام خصيب ترعون فيه الشجر وتشربون فيه اللبن وإن عامكم هذا عام جدب وإني راجع فارجعوا فرجع الناس وسماهم أهل مكة جيش السويق يقولون إنما خرجتم تشربون السويق وأقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على بدر ينتظر أبا سفيان لميعاده فأتاه مخشي بن عمرو الضمري وهو الذي كان وادعه على بني ضمرة في غزوة ودان فقال يا محمد أجبت لميعاد قريش على هذا الماء قال ‏"‏ نعم يا أخا بني ضمرة وإن شئت مع ذلك رددنا إليك ما كان بيننا وبينك ثم جالدناك حتى يحكم الله بيننا وبينك ‏"‏ قال لا والله يا محمد مالنا بذلك منك حاجة ثم انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد خرج في هذه الغزوة في ألف وخمسمائة من أصحابه وكانت الخيل عشرة أفراس فرس لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفرس لأبي بكر فرس لعمر وفرس لأبي قتادة وفرس لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وفرس للمقداد وفرس للخباب وفرس للزبير وفرس لعباد بن بشر وذكر عن أن النبي صلّى الله عليه وسلّم استخلف على المدينة عبد الله بن رواحة‏.‏ودومة بضم الدال وفتحها سميت بدومة ابن إسماعيل لأنه نزلها ثم غزا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دومة الجندل قال ابن هشام في شهر ربيع الأول واستعمل على المدينة سباغ بن عرفطة الغفاري ثم رجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يصل إليها ولم يلق كيداً فأقام بالمدينة بقية سنته وقال ابن سعد قالوا بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن بدومة الجندل جمعاً كثيراً يظلمون من مر بهم وأنهم يريدون أن يدنوا من المدينة وهي طرف من أفواه الشام بينها وبين دمشق خمس ليال وبينها وبين المدينة خمس عشرة أو ست عشرة ليلة فندب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الناس وخرج لخمس ليال بقين من شهر ربيع الأول في ألف من المسلمين فكان يسير الليل ويكمن النهار ومعه دليل له من بني عذرة يقال له مذكور فلما دنا منهم إذا هم مغربون وإذا آثار النعم والشاء فهجم على ماشيتهم ورعلتهم فأصاب من أصاب وهرب من هرب في كل وجه وجاء الخبر أهل دومة فتفرقوا ونزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بساحتهم فلم يلق بها أحداً فأقام بها أياماً وبث السرايا وفرقها فرجعت ولم تصب منهم أحداً وأخذ منهم رجل فسأله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عنهم فقال هربوا حيث سمعوا أنك أخذت نعمهم فعرض عليه الإسلام فأسلم ورجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة لعشر ليال بقين من شهر ربيع الآخر‏.‏

وفي هذه الغزوة وادع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عيينة بن حفص أن يرعى بتغلمين وما والاها إلى المراض وكانت بلاده قد أجدبت‏.‏

 غزوة الخندق

وقال ابن إسحاق ثم كانت غزوة الخندق في شوال سنة خمس وقال ابن سعد في ذي القعدة فحدثني يزيد بن رومان مولى آل الزبير عن عروة بن الزبير ومن لا أتهم عن عبد الله بن كعب بن مالك ومحمد بن كعب القرظي والزهري وعاصم ابن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر وغيرهم من علمائنا كل قد اجتمع حديثه في الحديث عن الخندق وبعضهم يحدث ما لا يحدث بعض قالوا إنه كان من حديث الخندق أن نفراً من يهود منهم سلام بن مشكم وابن أبي الحقيق وحيي بن أخطب وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق النضريون وهوذة بن قيس وأبو عمار الوائلي في نفر من بني النضير ومن بني وائل وهم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرجوا حتى قدموا على قريش مكة يدعونهم إلى حرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالوا إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله فقالت لهم قريش يا معشر يهود إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه أفديننا خير أم دينه قالوا بل دينكم خير من دينه وأنتم أولى بالحق منه فأنزل الله فيهم ‏"‏ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ‏"‏ الآية إلى قوله ‏"‏ وكفى بجهنم سعيراً ‏"‏ فلما قالوا ذلك لقريش سرهم ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاجتمعوا لذلك واتعدوا له ثم خرج أولئك النفر من يهود حتى جاءوا غطفان من قيس عيلان فدعوهم إلى حرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأخبروهم أنهم سيكونون معهم عليه وأن قريشاً قد تابعوهم على ذلك واجتمعوا معهم فيه فخرجت قريش وقائدها أبو سفيان بن حرب وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن في بني فزارة والحرث بن عوف المري في بني مرة ومسعود بن رخيلة فيمن تابعه من أشجع فلما سمع بهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبما أجمعوا له من الأمر ضرب على المدينة الخندق فعمل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ترغيباً للمسلمين في الأجر وعمل معه المسلمون فيه فدأب ودأبوا وأبطأ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعن المسلمين في عملهم ذلك رجال من المنافقين وجعلوا يورون بالضعف من العمل ويتسللون إليهم بغير علم من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا أذن وجعل الرجل من المسلمين إذا نابته النائبة من الحاجة التي لابد له منها يذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويستأذنه في اللحوق بها فإذا قضى حاجته رجع إلى ما كان عليه من عمله رغبة في الخير واحتساباً به‏.‏

قرأت على السيدة الأصيلة مؤنسة خاتون ابن المولى السلطان الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب رحم الله سلفها أخبرتك الشيخة الأصيلة أم هانئ عفيفة بنت أحمد بن عبد الله الفارقانية إجازة قالت أنا أبو طاهر عبد الواحد بن أحمد ابن محمد بن الصباغ قال أنا أبو نعيم قال أنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن فثنا ابن جعفر محمد بن نصر الصايغ فثنا إبراهيم بن حمزة فثنا عبد العزيز بن محمد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال بعثني خالي عثمان بن مظعون لآتيه بلحاف فأتيت النبي صلّى الله عليه وسلّم فاستأذنته وهو بالخندق فأذن لي وقال لي ‏"‏ من لقيت منهم فقل لهم إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأمركم أن ترجعوا ‏"‏ قال فكان ذلك في برد شديد فلقيت الناس فقلت لهم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأمركم أن ترجعوا قال والله ما عطف علي منهم اثنان أو واحد‏.‏

كذا وقع في هذا الخبر عثمان بن مظعون وعثمان بن مظعون توفي قبل هذا وأخوة عثمان قدامة والسائب وعبد الله تأخروا‏.‏

وقدامة مذكور فيمن شهد الخندق وهم أخوال عبد الله بن عمر رضي الله عنهم قال ابن إسحاق فأنزل الله عز وجل في ذلك ‏"‏ إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ‏"‏ إلى قوله ‏"‏ إن الله غفور رحيم ‏"‏ ثم قال يعني للمنافقين الذين كانوا يتسللون من العمل ويذهبون من غير إذن ‏"‏ لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً ‏"‏ الآية إلى قوله ‏"‏ أو يصيبهم عذاب أليم ألا إن الله في السموات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه من صدق أو كذب إلى قوله والله بكل شيء عليم ‏"‏ وقال ابن سعد وتجهزت قريش وجمعوا أحابيشهم ومن تبعهم من العرب فكانوا أربعة آلاف وعقدوا اللواء في دار الندوة وحمله عثمان بن طلحة وقادوا معهم ثلثمائة فرس وكان معهم ألف وخمسمائة بعير وخرجوا يقودهم أبو سفيان بن حرب ورأتهم بنو سليم بمر الظهران وكانوا سبعمائة يقودهم سفيان بن عبد شمس حليف حرب بن أمية وهو أبو أبي الأعور السلمي الذي كان مع معاوية بصفين وخرجت معهم بنو أسد يقودهم طليحة بن خويلد الأسدي وخرجت فزارة فأوعبت وهم ألف يقودهم عيينة بن حصن وخرجت أشجع وهم أربعمائة يقودهم مسعود بن رخيلة وخرجت بنو مرة وهم أربعمائة يقودهم الحرث بن عوف وخرج معهم غيرهم‏.‏

وقد روى الزهري أن الحرث بن عوف رجع ببني مرة فلم يشهد الخندق منهم أحد وكذلك روت بنو مرة والأول أثبت أنهم شهدوا الخندق مع الحرث بن عوف فكان جميع القوم الذي وافوا الخندق ممن ذكر من القبيلة عشرة آلاف وهم الأحزاب وكانوا ثلاثة عساكر وعناج الأمر إلى أبي سفيان فلما بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ندب الناس وأخبرهم خبر عدوهم وشاورهم في أمرهم فأشار عليه سلمان بالخندق فأعجب ذلك المسلمين وعسكر بهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى سفح سلع وكان المسلمون يومئذ ثلاثة آلاف واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم ثم خندق على المدينة فعمل فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيده لينشط الناس وكمل في ستة أيام‏.‏انتهى ما نقله ابن سعد‏.‏

وغيره يقول حفر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه في الخندق بضع عشرة ليلة وقبل أربعاً وعشرين وكان في حفر الخندق آيات من أعلام النبوة منها أن جابراً كان يحدث أنه اشتد عليهم في بعض الخندق كدية فشكوا ذلك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخذ المعول وضرب فعاد كثيباً أهيل‏.‏

وروى في هذا الخبر أنه عليه السلام دعا بماء فتفل عليه ثم دعا بما شاء الله أن يدعو به ثم نضح ذلك الماء على تلك الكدية فيقول من حضرها فوالذي بعثه بالحق لانهالت حتى عادت كالكثيب ما ترد فأساً ولا مسحاة‏.‏

ومنها خبر الحفنة من التمر الذي جاءت به ابنة بشير بن سعد لأبيها وخالها عبد الله بن رواحة ليتغديا به فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ‏"‏ هاتيه ‏"‏ فصبته في كفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فما ملأهما ثم أمر بثوب فبسط له ثم قال لإنسان عنده ‏"‏ اصرخ في أهل الخندق أن هلم إلى الغداء ‏"‏ فاجتمع أهل الخندق عليه فجعلوا يأكلون منه وجعل يزيد حتى صار أهل الخندق عنه وأنه ليسقط من أطراف الثوب‏.‏

ومنها حديث شويهة جابر وكانت غير جد سمينة قالت صنعتها وإنما أريد أن ينصرف معي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحده فلما قلت له أمر صارخاً فصرخ أن انصرفوا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى بيت جابر بن عبد الله قال قلت إنا لله وإنا إليه راجعون قال فأقبل الناس معه فجل فأخرجناها إليه فبرك ثم سمى الله عز وجل ثم أكل وتوارده الناس كلما فرغ قوم قاموا وجاء آخرون حتى صدر أهل الخندق عنها‏.‏

رواه البخاري وفيه‏:‏ وهم ألف فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا وإن برمتنا لتغط كما هي وإن عجيننا ليخبز كما هو‏.‏

ومنها حديث سلمان الفارسي أنه قال ضربت في ناحية من الخندق فغلظت علي ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم قريب مني فلما رآني أضرب ورأى شدة المكان علي نزل فأخذ المعول من يدي فضربه ضربة لمعت تحت المعول برقة ثم ضرب به أخرى فلمعت تحته برقة أخرى ثم ضرب به الثالثة فلمعت برقة أخرى قال قلت بأبي وأمي أنت يا رسول الله ما هذا الذي رأيت يلمع تحت المعول وأنت تضرب قال ‏"‏ أو قد رأيت ذلك يا سلمان ‏"‏ قال قلت نعم قال ‏"‏ أما الأولى فإن الله فتح علي بها اليمن وأما الثانية فإن الله فتح علي بها الشام والمغرب وأما الثالثة فإن الله فتح علي بها المشرق ‏"‏‏.‏

قال ابن إسحاق وحدثني من لا أتهم عن أبي هريرة أنه كان يقول حين فتحت هذه الأمصار في زمن عمر وزمن عثمان افتتحوا ما بدا لكم فوالذي نفس أبي هريرة بيده ما فتحتم من مدينة لا نفتخر فيها إلى يوم القيامة إلا وقد أعطى الله محمداً صلّى الله عليه وسلّم مفاتيحها قبل ذلك‏.‏

ولما فرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الخندق أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الأسيال وغطفان ومن تبعهم بذنب نقمي إلى جانب أحد وخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف من المسلمين فضرب هنالك عسكره والخندق بينه وبين القوم وأمر النساء والذراري أن يجعلوا في الآطام‏.‏

وقال ابن سعد كان لواء المهاجرين بيد زيد بن حارثة ولواء الأنصار بيد سعد بن عبادة وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبعث سلمة بن أسلم في مائتي رجل وزيد بن حارثة في ثلاثمائة رجل يحرسون المدينة ويظهرون التكبير وذلك أنه كان يخاف على الذراري من بني قريضة وكان عباد بن بشر على حرس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع غيره من الأنصار يحرسونه كل ليلة‏.‏

كذا قال ابن سعد في هذا الموضع وقال في باب حراس النبي صلّى الله عليه وسلّم حرسه يوم بدر حين نام في العريش سعد بن معاذ ويوم أحد محمد بن مسلمة ويوم الخندق الزبير بن العوام‏.‏رجع إلى ابن سعد‏:‏ وكان المشركون يتناوبون فيغدو أبو سفيان بن حرب في أصحابه يوماً ويغدو خالد بن الوليد يوماً ويغدو عمرو بن العاص يوماً ويغدو هبيرة بن أبي وهب يوماً ويغدو عكرمة بن أبي جهل يوماً ويغدو ضرار بن الخطاب الفهري يوماً فلا يزالون يجيلون خيلهم ويتفرقون مرة ويجتمعون أخرى ويناوشون أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويقدمون رماتهم فيرمون‏.‏

رجع إلى ابن إسحاق‏:‏ وخرج عدو الله حي بن أخطب النضري حتى أتى كعب ابن أسد القرظي صاحب عقد بني قريظة وعهدهم وكان قد وادع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على قومه وعاقده على ذلك فلما سمع كعب بحيي أغلق دونه باب حصنه فاستأذن عليه فأبى أن يفتح له فناداه حيي ويحك يا كعب افتح لي قال ويحك يا حيي إنك امرؤ مشؤم وإني قد عاهدت محمداً فلست ناقض ما بيني وبينه ولم أر منه إلا وفاءً وصدقاً قال ويحك افتح لي أكلمك قال ما أنا بفاعل قال والله إن أغلقت دوني إلا تخوفاً على جشيشتك أن آكل معك منها فأكل الرجل ففتح له فقال ويحك يا كعب جئتك بعز الدهر وببحر طام جئتك بقريش حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال من رومة وغطفان حتى أنزلتهم بذنب نقمي إلى جانب أحد قد عاهدوني وعاقدوني على أن لا يبرحوا حتى نستأصل محمداً ومن معه قال له كعب جئتني والله بذل الدهر وبجهام قد هراق ماءه يرعد ويبرق وليس فيه شيء ويحك يا حيي دعني وما أنا عليه فإني لم أر من محمد إلا صدقاً ووفاءً فلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة والغارب حتى سمح له على أن أعطاه عهداً من الله وميثاقاً لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمداً أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك فنقض كعب بن أسد عهده وبرئ مما كان بينه وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام فلما انتهى إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام الخبر وإلى المسلمين بعث رسول الله عليه الصلاة والسلام سعد بن معاذ وسعد بن عبادة ومعهما ابن رواحة وخوات بن جبير فقال انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم فإن كان حقاً فألحنوا إلي لحناً حتى أعرفه ولا تفتوا في أعضاد الناس وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فأجهروا بذلك للناس فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم نالوا من رسول الله عليه الصلاة والسلام وقالوا من رسول الله لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد فشاتمهم سعد بن معاذ وشاتموه وكان رجلاً فيه حدة فقال له سعد بن عبادة دع عنك مشاتمتهم فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة وذكر ابن عائذ أن الذي شاتمهم سعد بن عبادة ومن معهما على رسول الله عليه الصلاة والسلام فسلموا عليه ثم قالوا عضل والقارة أي كغدر عضل والقارة بأصحاب الرجيع فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام ‏"‏ الله أكبر أبشروا يا معشر المسلمين ‏"‏ وعظم عند ذلك البلاء واشتد الخوف وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم حتى ظن المؤمنون كل ظن ولحم النفاق من بعض المنافقين حتى قال معتب بن قشير كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط وقيل لم يكن معتب من المنافقين وقد شهد بدراً‏.‏

قاله ابن هشام‏.‏

وقال ابن عائذ وقال رجال ممن معه يا أهل يثر لا مقام لكم فارجعوا‏.‏

قال ابن إسحاق وقال أوس بن قيظي يا رسول الله إن بيتنا عورة من العدو وذلك عن ملأ من رجال قومه فاذن لنا أن نخرج فنرجع إلى ديارنا فإنها خارج فأقام رسول الله صلّى الله عليه الصلاة والسلام وأقام عليه المشركون بضعاً وعشرين ليلة قريب من شهر لم يكن بينهم حرب إلا الرمي بالنبل والحصار وقال ابن عائذ وأقبل نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي على فرس له ليوثبه الخندق فوقع في الخندق فقتله الله وكبر ذلك على المشركين وأرسلوا إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام إنا نعطيكم الدية على أن تدفعوه إلينا فندفنه فرد إليهم رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه خبيث خبيث الدية فلعنه الله ولعن ديته ولا نمنعكم أن تدفنوهن ولا أرب لنا في ديته وقيل أعطوا في جثته عشرة آلاف‏.‏

قال ابن إسحاق وبعث رسول الله عليه الصلاة والسلام كما حدثني عاصم بن عمر عن الزهري إلى عيينة بن حصن بن حذيفة ابن بدر الفزاري وإلى الحارث بن عوف المري وهما قائدا غطفان فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه فجرى بينه وبينهما الصلح حتى كتبوا الكتب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح إلا المراوضة في ذلك فلما أراد رسول الله عليه الصلاة والسلام أن يفعل بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة يذكر ذلك لهما واستشارهما فيه فقالا يا رسول الله أأمراً تحبه فنصنعه أم شيئاً أمرك الله به لابد لنا من العمل به أم شيئاً تصنعه لنا قال ‏"‏ بل شيء أصنعه لكم والله ما أصنع ذلك إلا أني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما ‏"‏ فقال له سعد بن معاذ يا رسول الله قد كنا نحن هؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه وهم لا يطعمون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرى أن بيعاً فحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا مالنا بهذا من حاجة والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام ‏"‏ فأنت وذاك ‏"‏ فتناول سعد الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب ثم قال ليجهدوا علينا فأقام رسول الله عليه الصلاة والسلام والمسلمون وعدوهم ولم يكن بينهم قتال إلا أن فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود وعكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن أبي وهب وضرار بن الخطاب تلبسوا للقتال ثم خرجوا على خيلهم حتى مروا بمنازل بني كنانة فقالوا تهيئوا يا بني كنانة للحرب فستعلمون من الفرسان اليوم ثم أقبلوا تعنق بهم خيلهم حتى وقفوا على الخندق فلما رأوه قالوا والله إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها ثم تيمموا مكاناً من الخندق ضيقاً فضربوا خيلهم فاقتحمت منه فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع وخرج علي بن أبي طالب في نفر معه من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة التي أقحموا منها خيلهم وأقبلت الفرسان تعنق نحوهم‏.‏

وكان عمرو بن عبد ود قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة فلم يشهد يوم أحد فلما كان يوم الخندق خرج معلماً ليرى مكانه فلما وقف هو وخيله قال من يبارز فبرز له علي بن أبي طالب رحمه الله وذكر ابن سعد في هذا الخبر أن عمراً كان ابن تسعين سنة فقال علي أنا أبارزه فأعطاه رسول الله عليه الصلاة والسلام سيفه وعممه وقال ‏"‏ اللهم أعنه عليه ‏"‏‏.‏

رجع إلى الأول فقال له يا عمرو إنك كنت عاهدت الله لا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذتها منه قال له أجل قال له علي فإني أدعوك إلى الله وإلى رسوله عليه الصلاة والسلام وإلى الإسلام قال لا حاجة لي بذلك قال له علي فإني أدعوك إلى النزال قال له لم يا ابن أخي فوالله ما أحب أن أقتلك قال علي لكني والله أحب أن أقتلك علي علي فتناولا وتجاولا فقتله علي وخرجت خيلهم منهزمة حتى اقتحمت من الخندق هاربة‏.‏

وقال علي في ذلك‏:‏ نصر الحجارة من سفاهة رأيه ونصرت دين محمد بضراب فصددت حين تركته متجدلاً كالجذع بين دكادك ورواب وعففت عن أثوابه ولو أنني كنت المقطر بزني أثوابي لا تحسبن الله خاذل دينه ونبيه يا معشر الأحزاب